30 أكتوبر، 2011

خاتمة يوميات هرمنا 17 فبراير


جاءت انتفاضة بنغازي (وربما انتفاضة البيضاء قبلها طبقاً للبعض) على غير توقّعٍ جدّي من أغلبنا، رغم الإعلان والدعوة إليها على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من مواقع الإنترنت، بل جاءت يومين قبل الموعد المحدد لها. وكانت خلفيّتها انتصار الثورتين الشعبيتين في تونس جارتنا الغربية ومصر في الشرق. وتسارعت أحداث الشرق الليبي وتعاظم زخمها على نحوٍ آذن بأحداثٍ لم يكن باستطاعة أحد أن يتبيّن نهايتها. ولكن التمنيات كانت غالبة، والمثالان شرقنا وغربنا غذّتا الطموحات، والإعلامُ الفضائي أجّج المشاعر وعبّأ العالم من حولنا.
وكنت من بين أولئك المتمنّين، بل حسبتُ الانتصار، بعد سقوط كتيبة الفضيل تحديداً، أمراً قريباً جداً. وجرت الأمور على غير ما توقع أكثرنا، فقد فقدت الثورة جانباً كبيراً من زخمها بقمع النظام لانتفاضة طرابلس بوحشية في مهدها، مما أطال عمرَ النظام وضاعف عدد الشهداء إلى عشرات الآلاف، ونشَر الدمار. وارتكب النظام من الموبقات ما لم يخطر على بال.
ومع بداية الانتفاضة بدأتُ في كتابة يومياتٍ أسجّل فيها مختصراً للأحداث يوماً بيوم، علها تسعف الذاكرة في يوم ما. ومن بعدُ رأيت أن أبعث بها إلى أقارب لي في الخارج بديلاً عن الرسائل وعن المكالمات الهاتفية التي لم نكن نستطيع أن نعبر فيها عما يدور حقيقةً بأي شكل خارج إطار تكرارٍ لا معنى له لكلماتٍ معدودة: "الحمدلله.. طيبين.. كويسين.. الجو ممتاز.. كيف حالكم انتو؟.."
باشرت في إرسال رسائلي اليومية هذه عن طريق دائرة الإنترنت الفضائية الخاصة بالشركة الأجنبية التي أعمل فيها، وغيرها فيما بعد. وتغيرت طبيعة هذه اليوميات بعض الشيء فتضمّنت خواطرَ شكّلها الظرف الخارق لكل معتاد من جهةٍ، والمكانُ من جهةٍ أخرى؛ فقد اختلطت مشاعر الخوف والأمل بمشاهد من الجنون والهمجية والسفه والكذبِ طمعاً والكذبِ خوفاً، وأزيزِ الطائرات وأصواتِ الانفجارات ليلاً، وغيابِ حركة الشارع نهاراً، والصورِ الواعدة بنصرٍ قريب، والأخرى الصادمة؛ ومن بنغازي الحرة، وتونس النزوح الليبي، ومصر المتأرجحة بين الثورة والأمس القريب.
اهتمّ البعض بهذه اليوميات، واقترح أحدهم في لندن، وهو ابن أختي، السيد عمر عزيز شنيب، أن يقوم بترجمتها ونشرِها في مدونةٍ باللغة الإنجليزية، ثمّ اقترح السيد عاشور الشامس، المناضل المقيم خارج الوطن ورئيس تحرير موقع أخبار ليبيا، أن يقوم هو بنشرها في مدونةٍ بالعربية. وكان الأستاذ عاشور كريماً في مجهوده بإنشاء مدوّنة "يوميات هرمنا" وفي تقديمه لها، وله منّي خالص التقدير والامتنان. وانتقلت اليوميات اعتبارا من 22 سبتمبر إلى مدونة "يوميات هرمنا 17 فبراير" التي باشرت في نشرها بشكل مباشر.
المدونة في بدايتها بهذا الشكل خاطبت الليبيين خارج الوطن، وكانت في توقعاتي ـــــــ والتي تظهر من اليوميات نفسها ــــــ أنها ستستمر لأيام أو بضعة أسابيع، حيث تصل إلى خاتمتها يوم تنتصر الثورة. لم نتصوّر وقتها أن النصر سيتأخر حتى شهر أكتوبر، بعد مائتين وخمسة وأربعين يوماً كاملةً من انطلاقتها.
ثورة 17 فبراير كانت ثورة النبلاء من شباب شعبنا الصابر. وكانت حقاً ثورة التكبير، تجلّت آيةً من آيات الله سبحانه، بتدبيرٍ منه تعالى وتهيئةٍ مُحكمةٍ للأسباب ما كان لها أن تجتمع من صنع بشر. وتوالت أحداثها الجسام ومواكب شهدائها حتى اكتمل انتصارها يوم 20 أكتوبر، وبه كانت خاتمة "يوميات هرمنا". 

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله لك فيما قدمت، متابعتي لليوميات كانت يومية لكن عرضها في الموقع كان يتأخر يومين أو ثلاث، القراءة الأكثر متعة كانت بعد النصر وتحرير طرابلس، حيث الرجوع إلى الايام العصيبة في بنغازي واجدابيا والزاوية ، إنها كفيلم سينمائي مكتوب في اليوميات ومرئي في الذاكرة من الاخبار التى أدمنت على مشاهدتها رغم التكرار.
    حفظكم الله ورعاكم، وادعو الله ان تستمر في كتاباتكم الشيقة والاسلوب السلس لمواضيع اخرى.

    ردحذف