08 أكتوبر، 2011

الخميس 22 سبتمبر (218)

الفراغ
نجحت الثورتان في تونس وفي مصر في إسقاط رأسي النظام فيهما وورثتهما، إلا أن النظام في البلدين قائم بمؤسساته جميعا من دستور وأحزاب وبرلمان ومنظومة اقتصادية وإعلام، بل وبكثير من رموزه.
أما في ليبيا فقد سقط النظام تماماً، برأسه وورثته، وحزب لجانه الثورية، وكتابه الأخضر بأركانه الثلاثة، وبثوريّيه وراهباته.

ورغم هذا الاختلاف الجوهري بين ثورة ليبيا من جهة وثورتي تونس ومصر من جهة أخرى، إلا أننا نرى أوجه تشابه لا تخطئها العين. المشهد السياسي في الدول الثلاثة يطغى عليه استقطاب حاد بين الإسلامي والليبرالي. وفي أعلى أولويات المواطن الدول الثلاثة من الجهة الأخرى في تحقيق الأمن ــــ وهو ما تحقق في ليبيا إلى حد كبير وبسرعة كبيرة ــــ ومحاسبة المفسدين في العهد السابق، من رأس النظام وأسرته إلى كبار موظفيه والطبقة الفاسدة التي صنعها ورعاها على حساب ثروة الشعب ورفاهية أفراده، ومن بعد ذلك يأتي التطلع إلى إقامة مجتمع عادل يحقق المساواة بين المواطنين جميعا في الحقوق والفرص وأمام القانون.

في تونس ومصر قدرٌ من الاستمرارية، وفي ليبيا قطيعةٌ تامة مع العهد السابق. لا مكان في ليبيا لما هو أقل من القطيعة، رغم تسرب الانتهازيين، ما يثير حفيظة الليبيين. الصراع في مصر وتونس على أشده بين مختلف التيارات والأحزاب استعدادا لانتخابات (قريبة؟) مقبلة؛ وفي مصر حتى الطرق الصوفية (!) دخلت حلبة السياسة. وفي خضم الحراك السياسي الساخن تقف السلطة المؤقتة في البلدين شبه مشلولة غير قادرة على اتخاذ قرارات مفصلية.

وبعد اندحار نظام القذافي وحكومته، السلطة في ليبيا تتمثل في المجلس الوطني الانتقالي يعترف العالم به "حكومةً" للبلاد، والمجلس نفسه لا يرى في نفسه ولا في مكتبه التنفيذي حكومة. والنتيجة فراغ. قوانين الطبيعة لا تقبل الفراغ ولا تسمح به، فسرعان ما يحل جديد لتعبئة أي فراغ ناشئ عن انسحابٍ أو طرد. تأجيل تشكيل حكومة تمسك بزمام شؤون البلاد أمر يؤدي إلى تعطيل المصالح الخاصة والعامة، وكثير من المصالح لا يحتمل تعطيلا. في تأجيل تأسيس حكومة فاعلة ضرران: تعطيل المصالح واحتمال ملء الفراغ بما لا يرضاه الليبيون.