13 أكتوبر، 2011

الثلاثاء 11 أكتوبر (237)


التدخل الأجنبي وبناء ليبيا ــــ الجزء الثاني والأخير
أواصل تلخيص مقالة روري ستيوارت في جزئه الثاني والأخير. في هذا الجزء يتناول الكاتب بالتقييم أداء الخبراء الأجانب المبعوثين في مهام تتعلق بإعادة البناء، وبعض من رؤيته للحالة الليبية. نلاحظ هنا شهادة شاهد منهم على جوانب في تكوين هؤلاء الخبراء الأجانب تؤدي إلى قصور في أدائهم في مجتمعات لا يعرفون غير القليل عن ثقافتها وتاريخها. نحن ندرك ذلك، ولكن يوجد من بيننا من لا يثق في غير الأجنبي وعلمه وخبرته؛ بل من بيننا من ينفي وجود خبراء (أو تكنوقراط، كما قال أحدهم) ليبيين أساساً. نواصل: 
(وبالنظر إلى ميول الحكومات الغربية ــــــ بسبب عزلة موظفيها عن المجتمعات المحلية، وانغماسهم في الأفكار النظرية لبناء الأمم، والشعور بالذنب تجاه قتلاهم، وميلهم إلى إنكار الفشل ـــــ كيف لنا أن ننجح في ليبيا أو في أي مكان آخر؟ والجواب: ربما بالتعلّم من البلقان.

في كوسوفو ما بعد الحرب، مثلما كان الحال في أفغانستان، لم يكن الموظفون الأجانب على دراية بأطر الأمن والإدارة والعدل السابقة للأزمة. وفي كوسوفو أيضاً انصبّ تركيز الأجانب على المسائل بعيدة المدى مثل البطالة والتعليم والتمييز بين الجنسين والخدمات، من دون الإقرار بأن تلك لم تكن الأسباب الرئيسية للصراع.

ولكن السر في النجاح في كوسوفو ربما كان في أن هذه العيوب لم تكن مطلقة الحركة، فقد كانت الولايات المتحدة مترددة في التدخل في البوسنة، وعندما تدخلت كان تدخلها بغير حماس. لقد كانت المهمة إنسانية، الغرض منها إنهاء الحرب. ولم تكن البلقان تعتبر مصدر "تهديد وجودي" ، ولذلك لم تكن هناك إرادة ولا تفويض لفرض برنامج "بناء أمة" جذري في وجه المقاومة المحلية. إن غياب الإرادة القوية والتفويض لم يقوّض التدخل، بل وفّر للبوسنيين فضاءً أرحب للأخذ بزمام القيادة في مجالات حيوية.

إن الدرس الرئيسي لليبيا هو أن النجاح لا يعتمد على خطط وعبقرية الأجانب إلا بدرجة أقل بكثير جداً من اعتماده على السياق المحلي، الذي هو سياق يتسم في جوهره بالفوضى وعدم وضوح الرؤية.

إن أفضل ما شهدته في ليبيا هو الاحتفالات في طرابلس، ذلك أنها كانت احتفالات ليبية خالصة. لم يكن هناك حراسٌ أجانب أو موظفون من الأمم المتحدة. لم يكن هناك أجانب غير عدد من المراسلين. ولكن خارج ميدان الشهداء حيث كانت الاحتفالات، لم يكن كل شيء على ما يرام. تساءلت ما إذا كان الفندق الذي احتلته مجموعة من الثوار سيكون مجرد أول المواقع التي سيتم وضع اليد عليها، وما إذا كانت توجهات القادة الإسلاميين ستكون خطيرة، وكيف ستكون آثار تقاعس الحكومة الجديدة أو المنافسات القبلية أو الفساد في المستقبل. ولكن أعضاء الحكومة الليبية الجديدة، بعكس نظرائهم العراقيين أو الأفغان، لم ينكروا وجود هذه المشاكل، ولا تظاهروا بقدرتهم على إلغائها.

الدرس الذي يجب أن نتعلمه في جميع هذه البلدان هو أنه ليس من بديل عن الخبرة بالبلد المعني، وأن أفضل ما يمكن أن يقوم به الغرب هو أن يعتمد على عدد أكبر من الأشخاص الملمّين بالتاريخ والثقافة في ليبيا، مع الاهتمام بحقائق المعيشة خارج المدن. يجب على المجموعة الدولية أن تجلب مثل هؤلاء الخبراء الذين تتوفر لديهم التجربة الميدانية إلى مركز السياسات للحدّ من التجريد النظري وعزلة هذه النخب. يجب ألا يكون دور هؤلاء المستشارين التنبؤ بحدوث فوضى بعد سقوط النظام ــــ ذلك التنبؤ سيكون مستحيلا حتى بالنسبة لليبيين ــــــ ولكن لتحسّس اتجاهات السياسة في البلاد. هل هو الفساد وليست هي التقنية المسئولة عن إعاقة توفير البنزين؟ ما هي المؤشرات، إن وجدت، على أن الحكومة الانتقالية قد بدأت تفقد شرعيتها؟ هل من الحكمة المخاطرة بانتخابات مبكرة؟ متى ستكون المساعدة الأجنبية عاجزة عن فعل المزيد ــــ متى ستعتبر تلك المساعدة مساهمة في جعل الوضع أكثر سوءاً؟

لقد ترك التدخل في ليبيا مساحة أكبر للقيادة الليبية والكبرياء والخيال الليبيين، وربما ترك لنا علاقة مستمرة بالقدر الكافي لنساند المبادرات والفرص المحلية. إذا ما كان التدخل في ليبيا مبرَّرا وناجحا، فإن مردّ ذلك النجاح سيكون صعوبة اعتباره تدخلا على الإطلاق).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق