15 أكتوبر، 2011

الجمعة 14 أكتوبر (240)


النازية والمصالحة
ظهر أخيراً كتاب لفريدريك تايلور بعنوان "طرد روح هتلر" Exorcising Hitler، تناول فيه المؤلف ما سُمّي باجتثاث النازية. ما الذي حدث في ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية؟ أسرى ألمانيا من العسكريين عوملوا معاملة قاسية جدا وكانت نسبة الوفاة في مراكز الاعتقال بينهم عالية جداً. وماذا عن أعضاء الحزب النازي، "حزب العمال القومي الاشتراكي"؟ كان في ألمانيا ما يقارب 8 ملايين (حوالي 10% من الشعب الألماني) عضو مسجل، وكانت سياسة الحلفاء تقضي بملاحقتهم في الحياة العامة وتحويل من توجد ضدهم أدلة إلى المحاكم. طُلب منهم جميعا تعبئة نماذج تحقيق يتقرر في ضوئها الإجراء تجاههم؛ والإبعاد من الوظيفة العامة كان الإجراء الأخف. نسب كبيرة من بينهم كانوا من مهن معينة؛ من المعلمين ومن المحامين على سبيل المثال، حتى أن النقص في هاتين المهنتين كان من الصعب معالجته. وأنكر كل من استطاع منهم أي علاقة بنشاطات حزبية غير مقبولة في العهد الجديد.

التغلغل الكبير للنازية في الحياة العامة، وفي مهن بعينها، والمدى الواسع للإنكار وإخفاء أي أدلة على العكس، خففت من ثقل سياسة الاجتثاث إلى حدٍّ كبير، وهي لم تبلغ مداها بالتأكيد. المؤلف يشير إشارة غير خفية إلى أن الشعب الألماني قد حقّق الاستقرار لبلاده بنسيانه هتلر وليس بــ ’طرد روحه‘!

ذكّرني ذلك بصديق ألماني كنت قد سألته منذ سنوات، وفي معرض الحديث عن اختفاء النازية شبه التام عن الحياة العامة في ألمانيا ما بعد الحرب.. سألته عن والده "هل كان عضوا في الحزب النازي؟" فقال إنه كان ضابطا بسلاح الجو اُسقطت طائرته فوق بريطانيا أثناء الحرب وقُبض عليه أسيراً. عاد إلى ألمانيا بعد الحرب، "ولكننا لم نناقش معه ماضيه أبداً، تلك الحقبة لم تكن أبداً موضوع أي حديث في بيتنا". حسبتها حالة فردية معزولة، ولكن يبدو أنها لم تكن كذلك. هل كان الألمان في حالة إنكار ــــ نسيان متعمد؟

ولكن وضع أتباع العهد البائس المنهار عندنا مختلف تماماً.. لا الثورة تستهدفهم بالاجتثاث ـــــ وهذا توجّه صائب ـــــ ولا هم يشعرون بالحاجة إلى إنكار. هم موجودون في العلن، من مدرّسات في بعض المدارس يرفضن ترديد نشيد الاستقلال إلى رجال بأسلحتهم وأعلامهم كما حدث في بوسليم هذا اليوم، ما يعني استخفافا بالثورة وهيبتها وسلطتها وقدرتها على الردع، وخطراً عليها. 

لقد جلب الفكر ــــ إن أسميناه فكرا ــــــ والممارسة في العهد البائس المنهار الموت والخراب لليبيا. إن ما ارتُكب ضد الليبيين في ذلك العهد بأكمله، وليس فقط في الأشهر الأخيرة منذ فبراير، يرقى في مجمله وبتفاصيله إلى جرائم ضد الإنسانية، ولا مجال لاعتباره ’فكراً‘ يُسمح لأتباعه بالترويج له والعمل على الوصول به إلى السلطة. إن كان فكراً فهو فكر عنفي مسلح غير مؤهل للمشاركة في العملية السياسية الديموقراطية وفي كثير من الوظائف العامة، مثل التعليم. وقد رأينا تأصّل روح الجريمة في أتباع هذا ’الفكر’ في رفعهم للسلاح ضد الثورة هذا اليوم، وضرب الكهرباء وقطع المياه عن المدينة، الشيء الذي فعلوه منذ بضعة أسابيع أيضاً.

أما المصالحة فلها أطرافها، وليس من بين تلك الأطراف من يعمل لإلغاء الآخر حتى باستعمال القوة. النظام السابق وأتباعه لا يقبلون تعايشاً مع الآخر من أي لون من ألوان الطيف كان، والبطش والقهر والقتل هي الحَكَم الفاصل عندهم. والثوار أنفسهم لم يروا حياة لهم مع نظام تلك أساليبه وادواته فاستمروا بثورتهم حتى الإطاحة به.  المصالحة والتسامح لا يستقيمان مع مثل هذا ’الفكر‘. أما على مستوى الأفراد المتراجعين عن طريق السوء هذا، فذلك شأن آخر.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق